كانت هناك قصة قصيرة لكاتب فرنسي يدعي "الفونس دوديه" تدعي " جحشة البابا" – الاسم صعب بعض الشيئ!- تدور احداث القصة في فرنسا في بلدة " افينيون" التي كانت جنة صغيرة علي الارض و كان يحكمها بابا
..كان لدي البابا جحشة صغيرة يحبها جدا و يبالغ في العناية بها و كأنها صديقه ..وكانت جميلة سوداء اللون ذات بقع حمراء داكنة و كان الجميع يحبون رؤية البابا مع جحشته ..حتي جاء البابا باحد الصبية الصغار المشاغبين الذي طرده والده لسوء خلقه ..كان يحوم حول قصر البابا و لمارأه مع جحشته اخذ يبالغ في مدح جمالها و بهائها حتي عرض عليه البابا وظيفة العناية بها حين يكون متعيا
..كان الصبي شريرا سادي النزعة كان يأتي بالطعام للجحشة المسكينة و يأكله مع اصدقاء السوء و بالطبع لا تستطيع الجحشة ان تشتكي و عندما كان يسكر مع اصدقائه كان كالشيطان ..ينطلق في تعذيبه للجحشة يجذب اذنيها و يضربها بالعصا ضربا مبرحا و رغم كل التعذيب تصبر الجحشة و لا تضربه او ترفصه ..فهي اصيلة فجحشة البابا لا تعض و لاترفص
..حتي يوما ما قادها الصبي الي اعلي برج القصر و تملك منها الرعب للارتفاع الشاهق فأخذت تصدر اصواتا مرتفعة استيقظ عليها البابا من نومه ليجدها في اعلي البرج فيغضب غضبا شديدا لكن الصبي يهرع باكيا مدعيا انها التي افلتت منه و يصدقه البابا و يوبخها ..عندها تقرر الجحشة انها ستختزن للصبي ضربة قوية انتقاما منه لكنها لا تجده اليوم التالي اذ ان البابا قد كافأه بتسفيره الي بلدة اخري مكافاة له علي عنايته بجحشته ! ..تشعر الجحشة من يومها بالخزي و المهانة فالجميع سخر منها عند معرفة قصة صعودها لاعلي البرج و صياحها حتي البابا لم يعد يثق في افعالها
..تمر سبع سنوات تعيشها الجحشة في الم و حزن و يعود الصبي و يتمني ان يجد له البابا وظيفة له في قصره ..لا يتذكره البابا لكبر سنه لكن الصبي يذكره بنفسه و يعطيه البابا الوظيفة التي طلبها و اعدوا استقبالا للاحتفال بهذة المناسبة
في اليوم التالي يأتي الجميع في ابهي حلة لحضور الحفل ..يسير الصبي متبخترا فرحا بوضعه الجديد ..و الجحشة واقفة تحت السلم بانتظار قدوم البابا ليقودها الي مزرعته..يقترب منها الصبي مداهنا البابا و يربت علي ظهرها في حنان مصطنع فجأة ترفصه الجحشة رفصة قوية للغاية و هي تقول" خذها ..لقد اختزنتها لك سبع اعواما كاملة"!
كانت الضربة شديدة جدا لدرجة القت بالصبي بعيدا و لم يره احد بعدها في البلدة ..الطبيعي ان ضربات الجحش لا تكون بمثل هذة القوة لكن هذة المرة كانت ضربة تم التحضير لها طيلة سبعة اعوام
روي " دوديه" تلك القصة القصيرة كمثال من لا ينسي اذي الحق به مهما طالت المدة ..لكني احكي تلك القصة لاني اري انها فيها الكثير من الاسقاطات علي واقعنا الحاضر فتلك القصة من ضمن المجموعة القصصية " حكايات طاحونتي" كتبها "دوديه" عام 1869 اي من القرن التاسع عشر لكنها سهل تطبيق الكثير من الاشارات بها علي حياتنا المعاصرة ..فتلك الجحشة الصبورة التي تحملت اذي الصبي و سخافاته و ساديته لفترة طيولة دون ان تضربه او تدافع عن نفسها فيها الكثير منا – لااقصد الجحش كحيوان بل الموقف نفسه- فنحن نصمت علي الاذي دون ان نشتكي او نرد الاذي لفترات طويلة فنعطي فرصة لمن يمارس ذلك الدور بالمزيد و بالاستزادة من قوته حتي لو كان بلا قوة تذكر اصلا
..فذلك الصبي في الحقيقة لا يمثل اي قوة تذكر سواء عقلية او بدنية فقط كل ما يملكه هو خزين عملاق من السادية و الامراض النفسية تجعله يقوم بتعذيب الجحشة لا لغرض سوي متعته المريضة و تلذذه حين يري انه يستطيع ان يفرد سيطرته علي من هو اضعف منه
..طبق ذلك علي كل المجالات ..الاجتماعي منها و الدولي و المحلي ..ستجد ان ثنائي الصبي و الجحشة متوفر في كل مكان وزمان